التاريخ بعيون أمازيغية

الطيب آيت حمودة

حضرت لأحد الزملاء درسا في التاريخ ألقاه على تلامذ ته تحت عنوان الدولة الرستمية ، عالج فيه نشأة الدولة وظروف تأسيسها ، وسياسة حكامها ، وجوانب من حضارتها . وبعد اكتمال الدرس ، حاولت أن استشف مدى تأثر التلاميذ بحقائق الموضوع ، وأعرف مدى ادراكهم للعلاقات بين الماضي والحاضر ، وتصورهم الحقيقي للموضوع في سياقه التاريخي .
استأذنت زميلي ليفسح لي مجالا للمساءلة ، لفهم حقائق الأمور وتجلياتها ، وسألت التلاميذ الآتي:
أريد يا أبنائي أن أعرف منكم كم عدد الرستميين الذين جاءوا الى بلادنا الجزائر ؟
الاجابات : ثلاثة ملايين ، ، مليون واحد ، خمسة ملايين …..أكثر …أقل …..
ماعلاقتنا بهؤلاء الرستميين ؟ ولماذا جاءوا الى بلادنا ؟
الاجابات : عرب ، أخوتنا في الاسلام ، لا أدري ، جاءوا للفتح ، …للتوسع ….ليستعمروا بلادنا …..الخ
لم أتمالك نفسي وأجبتهم عن السؤالي الأول الجوهري ، وقلت لهم: اٍن عدد الرستميين الذين جاءوا اٍلى بلادنا لم يتجاوز شخصا واحدا هو عبد الرحمن بن رستم ؟… وقرأت على ملامح التلاميذ حيرة منقطعة النظير ، وتساؤلا عميقا في داخلهم ، لعلهم يجدون له جوابا ، عندما يصدر التاريخ حكمه و تستقيم الأمور  


شعرت بضق وألم كبيرين ، وتساءلت في قرارة نفسي ، أيعقل أن ندرس أبناءنا تاريخا مغشوشا من حيث لا ندري،
وهل الاخفاقات مردها الى المناهج بشموليتها وعناصرها ، هل الأستاذ طرفا في تمييع القضايا التاريخية ، عن قصد أوجهل ، لماذا هدم الذات بهذه الفضاعة ؟، لماذا تغييب العنصر المحلي الأمازيغي ؟ لماذا هذا الطمس ؟ لماذا هدم الذات ؟
هذه مجموعة من الأسئلة تواردت على ذهني وانا أتابع درس الزميل حول الرستميين ، وأحاول فك الشفرة بقدر المستطاع حسب تجربتي المتواضعة جدا .
1) فيما يتعلق بالمواضيع المدروسة لأبنائنا في المدارس الرسمية ، وما نلحظه من عناوين على رفوف المكتبات ، تتشكل لدينا قناعة أن مادة التاريخ هي مادة الحكام ، والأسر الحاكمة ، ومن سار على ركبهم ، فلا ترى ولا تسمع اٍلا أمثال : الدولة الأموية ، الدولة الفاطمية،الدولة العثمانية ، الدولة الحمادية …..الخ تسميات ودول.. ، كأن عناصر الدولة مقصورة على الأسر الحاكمة لاغير (التاريخ الرسمي ) ، لهذا ينبغي أن تتغير النظرة اٍلى التاريخ باعتباره اٍنية أمة وذاتيتها ، وهو الوسيلة الأسمى لأبراز جهدها الجماعي ، وتراثها المتميز عبر حقب التاريخ ، وما الحكام اٍلا عنصرا من الدولة ، لذا أرى أن يدون على اللوح ببند عريض : الجزائر في عهد الرستميين ، الجزائر أيام حكم الحماديين ، الجزائر تواجه الخطر الصليبي ….
وشتان بين هذا وذاك ، فالعنوان الأول عام يتيه التلميذ في اللامنتمي ، لايشعر بأي انتماء ولااٍنية ، لاوجدان فيه ، بينما الثاني متميز بالذاتية ، شعور بالانتماء ٍالى أمة ،اٍحساس بقيمتها ، والمجتمع كأساس جوهري في أي تطور مهما كان نوعه . فالأدعى أن تعالج الموضوعات على أساس منطلق محلي أمازيغي ، يرى فيه التلميذ منجزات أجداده ، لا منجزات المتحكمين فيه . فالفتح الاسلامي للأندلس تم على كاهله ، وارتوت سهول اندلوسيا بدماء أجداده ، وقبلها قادهم حنبعل القرطاجي اٍلى حصار روما برا مرورا باسبانيا مخترقا لفرنسا وجبال الألب ، و بقيادة الفاطميين وصلوا إلى الشرق بتوسعاتهم منافسين الدولة العباسية ، وكان لهم الثقل في تأسيس جامعة الأزهر الشريف التي غدت فيما بعد قبلة لطلاب العلم في شتى التخصصات .
2) التصور الخاطيء لعدد الوافدين على بلادنا ، فنغدو رومانا أحيانا ، ووندالا أخرى ، ثم عربا وأتراكا ، وفرنسيين …
كل من يأتي إلى بلادنا( تامازغا) يصبغنا بلونه دون حسيب ولا رقيب، والهجمة العربية أشدها ، لأنها اعتمدت على العصبية والدين في إرساء العروبة في وطننا ، والتاريخ يشهد بأن عدد الوافدين أيام الفتح كان قلة ، والنزوح الأعرابي الهلالي لم يؤثر إلا في خراب البلاد كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في مقدمته .ولا شك بأن مثال الرستميين أعلاه يعطي أصدق تصور لما عنته بلادنا من تشويه لهويتها الحقيقية ، فأصبح كل من يتكلم العربية عربيا ، ففقدت الأمازيغية اثنيتها بالتبني المحرم شرعا ..(…. ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا .الأحزاب(5)….) ولوكان التخلي عن النسب مشروعا لما حافظ بلال على حبشيته ، ولا صهيب على روميته ، ولا سلمان على فارسيته ، ولا زيد على حارثيته( كان زيد يكنى بزيد بن محمد ، وبعد نزول الآية بسببه لقب بزيد بن حارثة ). فإذا كان انتساب فرد إلى غيره حرام ، فكيف الحا ل بالنسبة لأمة تتبنى أمة أقدم منها متميزة في تاريخها وحضارتها وهي الأمة الأمازيغية ، ويتساءل المرء بحرقة كيف أن أقواما إسلامية أخرى حافظت على عرقها كالهنود ، والبنغال ، والفرس والترك ، والأندونسيين ، وكانوا مسلمين بامتياز؟ أما نحن ففرض علينا منطق التبني قسرا .

 

 

قد يقول قائل بأن بلاد الجزائر تحتضن أطيافا مختلفة من البشر ، نحن نقر ذلك ، ولكن هذه الأطياف قلة اندمجوا عرقيا في المجتمع المحلي الأمازيغي كما هو الحال في المثال عن الرستميين ، وإذا كان هذا منطقهم ، قد نكون رومانيين ، وأتراك ، وفينيقيين قبل أن نكون عربا . لأن هذه الأقوام هيمنوا على بلادنا قبل العرب، ولوكان الأمر كذلك لتحولت فرنسا إلى بلاد عربيةلأن بها أزيد من مليوني عربي ..؟ 
وقد يقول قائل آخر بأنكم عرب مستعربة عربكم الإسلام ، واللغة العربية لتي توظفونها في حياتكم اليومية ، في أسواقكم ، وشوارعكم ، ومنتدياتكم ، الخ ….وكان لزاما على هؤلاء الفصل بين العرق والدين واللغة ، وبين الثابت والمتغير ، وبين الأصيل والوافد .. 
أما الإسلام فقد جاء للناس كافة باختلاف ألوانهم وألسنتهم ، ولله وضع مقاييس الإيمان والتقوى بديلا عن العصبية فقال ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وليس أعربكم ، ثم أن اللغة ليست ذريعة لتخلي الأمةعن عرقها ، ولو كان الأمر باللغة لترومنا وتفرنسنا، ولأصبح المكسيكيون أسبانا ، والسنغال فرنسيين ، والأمريكيين أنجليز …الخ .
ان اهتمامنا كأمازيغ باللغة العربية ينبع من حبنا للإسلام ، ولأنها لغة أهل الملة ، بها ننسج أواصر الأخوة الاسلامية مع كثير من أهل ملتنا . وقد كان لأجدادنا صولة في نشرها وتطويرها (تذكروا الأجرومية لابن أجروم ، والألفية لابن معطي الزواوي ). 
3) تناول التاريخ مع التلاميذ يتطلب مراسا وحنكة ، لأنه خطير في تناوله ، قد يحيد عن مبتغاه ، ويتحول إلى أداة هدم للذات المحلية اٍن أسيء استعماله ، وصدق من قال بأن التاريخ سلاح ذوحدين ، مثله مثل وسائل الاتصال في أيامنا( الفضائيات ، الانترنيت) فهي مصدر خير عميم ، و شر زخيم ، فما على المرء إلى الاختيار بينهما ، وأستاذ التاريخ يحمل هموم الوطن ومشاكله ، ولا شك أن تكوينه الديني والوطني يكفل له التمييز بين الغث والسمين من الحقائق التي توظف لتحقيق الغايات السامية التي تنشدها الأمة . هذا الأستاذ الذي يوفق أحيانا ، ويفشل أخرى لهوى في النفس أو حبا للذات ،أو استجابة لتعليمات فوقية . ومهما يكن فان مسؤولية الأبناء أمانة ، وأستاذ التاريخ هو الحصن المنيع الذي يحافظ على سلامة العقول من

الخرف التاريخي الهدام .

 

الخلاصة : إن الأمة الجزائرية أمازيغية في أصولها ، إسلامية في دينها ، تمازج بين اللغتين العربية والأمازيغية في ثقافتها ودينها ، ; وهي متفتحة على اللغات الحية الأخرى ، واهتمامها بلغة القرآن لاينسيها التزاماتها تجاه اللغة الأم .التي عزلت لحين من الدهر ، ثم بدأت تستعيد عافيتها باعتبارها لغة وطنية ، وقد تكون رسمية إذا صدقت الإرادة وحسنت النيات.

المصدر: مؤسسة الحوار المتمدن

 


 
ر
E-Mail: Timsnablog@gmail.com

Admin: Elouastani@gmail.com

الصفحة السابقة إجعلها الرئيسية أضفها إلى المفضلة طباعة الصفحة الإعلان معرض الصور تحميل كتب خدمات عن المدونة أنشر هنا أضف رأيك إتصل بنا صفحتنا على فايسبوك صفحتنا على تويتر قناتنا على اليوتيوب مسيقى ملتزمة
Loading...