محمد بن عبد الكريم الخطابي، الأمازيغية والحركة الوطنية

اشْتَغلت الآلةُ الإعلامية المغربية، منذ الخمسينيات من القرن الماضي، على تقديم محمد بن عبد الكريم الخطابي في صورة «البطل الأسطورة» الذي هزم الجيوش الاستعمارية رغم قلة عدد جنوده وضآلة العتاد الذي كان يمتلكه. غير أن هذه الآلة التي كانت تجتهد لإبراز الوجه المشرق من شخصية الرجل كانت تبرز فيه أيضاً تقاسيم بطل «عروبي- قومي» «سلفي» و«إسلامي»، مازجة بين صورة المقاوم الذي استطاع أن يهزم أقوى الدول الاستعمارية بصورة البطولة العربية التي تجد لها جذوراً في العروبة وفي قيم الإباء العربية والقومية التي يعبر عنها مفهوم الجهاد في الإسلام. وللحقيقة فإن هذا العمل الإعلامي لم يكن يُقصد من ورائه استعادة إحدى الرموز الوطنية كي تحتل مكانتها اللائقة في تاريخ المقاومة الوطنية، بل كان يُقصد به في الغالب الأعم تصفية حسابات سياسية وإيديولوجية آنية من خلال ادّعاء الانتماء إلى هذه التجربة التي كان حطب نارها قبائل ريفية فقيرة ومعزولة وتعيش أوضاعاً اجتماعية مزرية. ففي ظل سياق بناء الدولة الوطنية التي كان يُراد لها أن تكون عربية خالصة، أمعنت الآلة الإعلامية في سبر فكر الخطابي وتمادت في إعلانها الانتساب إلى حركته المسلحة، كما أن النخب التي تخرجت من رحم الحركة الوطنية المدينية تنافست في عرض صورها، التي التقطتها إلى جانبه عندما كان في مصر، على صفحات الجرائد وفي ثنايا الكتب التاريخية والسير الذاتية، موهمة الرأي العام أنها كانت دائماً إلى جانبه في نضاله ضد الاستعمار

ولقد عانى محمد بن عبد الكريم الخطابي من هذا الاستغلال السيئ لاسمه، مما جعله في كل مرة يتدخل لكي يعلن مواقفه الحقيقية، ولكي يضع مسافة بينه وبين المدّعين إلى درجة إعلانه القطيعة معهم، بل وطرده لبعضهم من منزله. وهكذا سنلاحظ أنه في الوقت الذي كان فيه هؤلاء المدَّعون يعلنون، وبدون مواربة، انتماءهم إلى تجربة المقاومة المسلحة بوصفهم الامتداد الشرعي لها، مستغلين رمزية الرجل لكي يسمحوا للأحزاب وللحركة الوطنية عموماً «بالاستفادة من مجده وتجربته وشهرته العالمية الكبرى»1، (كما عبر عن ذلك علال الفاسي في مؤلفه: الحركات الاستقلالية)، كانوا يعملون، من جهة أخرى، على انتقاده وتشويه صورته سراً وإعلاناً لكونه لم يكن يؤمن بالعمل الوطني الذي يؤمنون به. وكما يذهب إلى ذلك الأستاذ علي الإدريسي فإن «قادة هذه الأحزاب كانوا بحاجة إلى استغلال سمعة عبد الكريم في العالم، وليس إلى منهجيته التي رحلت إلى الفيتنام مع هوشي منه، وإلى الصين مع ماوتسي تونغ، وإلى أمريكا اللاتينية مع تشي جيفارا»2. ونتيجة لاختلاف المشاريع التحررية التي كان يحملها كل طرف منهما فقد تجرأوا عليه، واستغلوا اسمه وسمعته العالمية، وأخذوا يروجون عنه في الأوساط القريبة من القصر أكاذيب ومواقف أدّت في لحظات معينة إلى قطع الراتب الذي كان قد خُصِّص له لما نزل بمصر. وشكلت «الجمهورية» التي أسسها في ظروف خاصة، الفزّاعة المثلى لحياكة الدسائس ضده، كما أن أحداث 1958 التي اندلعت بالريف ضد حزب الاستقلال، والتي رُفعت خلالها شعارات من نمط «يسقط حزب الاستقلال تسقط الحكومة»3 و» لتسقط الحكومة، يحيى الملك»، و « بن يوسف ملكنا وعبد الكريم زعيمنا»4، قُدِّمت للقصر بوصفها أحداثاً «عنصرية» لريفيين تُحركهم الغريزة «البربرية» بإيعاز من الخطابي الذي يهفو إلى زمن السيبة والانفصال والدولة الريفية المستقلة5؛ بله وتجاوزوا كل هذا فنشروا عنه حكايات تنقص من قدراته الفكرية والعقلية، كقول أحدهم عندما زاره في القاهرة: إن عبد الكريم «أصبح شيخاً مضطرب السلوك لا يؤمن بالعمل الوطني»6 وأنه «عندما نتحدث إليه عن العمل السياسي يرفض ذلك، ويشير بيده، وكأنه يحمل مسدساً»7
ولم تخل الأوساط الشرقية بدورها من حياكة نفس المواقف، وهكذا فعندما أعلن محمد بن عبد الكريم الخطابي إعجابه بتركيا الكمالية العلمانية، وبضرورة اقتفاء خطى الدول الغربية، حمّلوه أوزار انهزامه، واتهموه بكونه كان عاجزاً عن قيادة شعبه، وأنه أضعف معنويات الريفيين بسبب انجذابه إلى الغرب وعدم استغلاله للعصبية القبلية، فقد كتبت المنار: «يعترف القائد الريفي بأنه لم يعرف كيف يقود شعبه، لقد علم جيداً كيف يستفيد من التقنيات التي تعلمها من الأسبان، وزاد بذلك قوته الدفاعية، ولكنه انجذب إلى مظاهر الحضارة الأوروبية التي أضعفت قوة الريفيين المعنوية. تلك القوة الكامنة في عصبيتهم»8. والأنكى من كل هذا هو أن هذه النخب المتنفذة التي تسلمت زمام السلطة من فرنسا عملت بكل الوسائل والطرق كي لا يكون للرجل ذكر في مغرب الاستقلال، وأما «الذين كانوا يرددون أقواله ونداءاته فكان مصيرهم ينتظرهم في معتقلات الحزب»9، ووصلت الأمور إلى حد تجريم ذكر اسمه، بله واستغلاله أيضاً للتخلص من المعارضين. فقد أشار الفقيه البصري في مذكراته إلى هذا الأمر عندما قال: «وكثر الإيحاء آنذاك بأن من يطرح موضوع إعادة بناء الدولة ومسألة الدستور، إنما يحركه عبد الكريم «الجمهوري»، أو يخدم مصالح الاستعمار، أو يحاول التآمر على الملك»10
وفي الوقت الذي كان فيه عبد الكريم يتهيأ للقاء ربه كانت نخب الحركة الوطنية بصدد وضع اللبنات الأخيرة في صرح بناء الدولة المغربية العربية المرتكزة على مبادئ إيديولوجية ظاهرها «العروبة» و»السلفية» و»القومية» وباطنها الاستئثار بالسلطة والمال واقتسامهما بين الأهل والعشيرة. وقد اتخذت إلى ذلك مسالك منها، إضعاف حركة التحرير التي انطلقت في جميع ربوع الوطن، والاستفراد بالسلطة عن طريق تحييد البوادي التي اندلعت فيها الحركة المسلحة، وإعادة إنتاج النخب من خلال بناء مدارس موجهة إلى الشعب يُراد من ورائها تعريب الإنسان والمحيط، ومدارس أخرى موجهة إلى أبنائها يُراد منها تعليمهم علوم «الكفار» ولغاتهم تحضيراً لهم لكي يتسلموا زمام السلطة، دون أن ننسى إمعانهم في إغلاق كل المعاهد والمدارس التي كانت تدرّس بها الأمازيغية. وبهذا ستنتقل استراتيجية النخب الحضرية انطلاقاً من 1956 من مرحلة الدعاية للاستقلال تحت الحماية إلى مرحلة الدعاية للدولة العربية الجديدة، مستعيدة خلال ذلك واقعة ما يسمى بـ»الظهير البربري» لكي تشرْعِن لدعوتها، ولتزرع في وعي ولاوعي الجماعة «البربرية» الخطيئة الأصلية التي ثبتتها في أفئدتهم بقوة الإعلام، بله وجعلتهم يؤمنون بأنهم هم مقترفوها، وأنهم للتخلص منها لا مناص من الاعتذار النصوح عن طريق التخلص من «بربريتهم» التي هي العلامة الناصعة على خيانتهم. ولما كانت رجالات المقاومة المسلحة كلها أمازيغية فإنها استعادت، كما رأينا، رمزيتهم وأعادت، من جهة أخرى، تشكيل شخصياتهم بما جعل منهم أبطالاً على المقاس، أي عرباً ينتمون سلالياً إلى الدم العربي، ويؤمنون بنفس القيم القومية والسلفية والإسلامية التي تشكلت بها أحزابهم وتنظيماتهم. هكذا إذن تكون نخب الحركة الوطنية قد استفادت بشكل مضاعف، فهي، من جهة، استغلت «سُمعة» عبد الكريم لقضاء مآربها على الصعيدين الوطني والعالمي، كما أنها، من جهة ثانية، خلقت منه ذلك «البعبع» (ونعتذر عن الوصف) الذي تخيف به السلطة المركزية ولتجني من وراء ذلك خدمات ومنافع جلّى

 


ولقد ظل المجال مفتوحاً أمام هذه النخب العروبية لكي تثبت دعايتها، ولكي تصبح حقيقة إعلامية تنشر في الإعلام وتدرس في المدارس والجامعات، ويعاد إنتاجها في كتب السيرة التي أنتجوها بعد أن بلغ بهم الكبر عتياً. غير أنه في الوقت الذي ظنوا فيه أنهم قد انتهوا من «العنصر البربري» من خلال تعريبه وتحميله «سُبة وعقدة خطيئة الظهير البربري» و»سبة وعقدة «الجمهورية الريفية»، انبرت أمامهم الحركة الثقافية الأمازيغية التي أخذت تنازعهم في ملكية رمزية هؤلاء الأبطال الأمازيغ، فأخذت تستمد هي بدورها منهم مبادئها، بله وتعتبر نفسها الامتداد الحقيقي لها. ولم يكن للنخب العروبية أن تسكت عن هذا «الوافد» الجديد ولذلك بادرت للرد، وهي المالكة للقوة الإعلامية، فادعت أن الحركة الأمازيغية ما هي إلا امتداد «للظهير البربري» ولكل مشاريع «الانفصال الاستعمارية»، وأنهم البذرة التي بذرها المستعمران الفرنسي والأسباني لتفتيت الأمة المغربية، بل وضرب الأمة العربية في الصميم، وأن عبد الكريم الخطابي لو كان حياً بين ظهرانيهم للعنهم ولتبرأ منهم، بل ولقاتلهم إلى أن يعودوا عن غيهم خانعين صاغرين. وللأسف، فإن هذه الردود لم تخرج أبداً عن المنطق الذي ظل يتحكم في الصورة التي لهم عن عبد الكريم. فهو، عندما يتعلق الأمر بتثبيت عروبة الأمة المغربية، نراهم يستعيدون صورته «الإيجابية» (العروبة، الوحدة، المقاومة، الإسلام بشقيه السلفي والإسلاموي إلخ.) لكي يواجهوا به خصومهم المفترضين، ولكن عندما يتعلق الأمر بتثبيت صورة الريف المهدد للوحدة الوطنية نراهم يستعيدون أو يذكّرون بالصورة «السلبية» لكونه تجرأ وأسس «جمهورية ريفية»، تماماً مثلما يفعلون بالنسبة للمناطق الأمازيغية الأخرى عندما يستعيدون «أسطورة الظهير البربري». وهكذا أصبحنا أمام صورة انشطارية لعبد الكريم، يحار في تمثلها المتخصصون فأحرى عامة الناس. وللتدليل على هذا المنطق الغريب الذي تحول، للأسف، إلى ثقافة جماعية، يمكن أن نشير فقط إلى ما نشر في غضون الأيام الأخيرة عن هذا الرجل. إذ بمناسبة ذكرى وفاته السابعة والأربعين نشرت الصحف المغربية مقالات واستطلاعات ووثائق تؤرخ لمساره في المقاومة، غير أن الملاحظ على هذه المنشورات هو أنها كانت غالباً ما تستعيد هذه الصورة «الانشطارية» لكي تصفي حساباتها السياسية والإيديولوجية الآنية مع خصومهم من الذين ينادون بإعادة الاعتبار إلى اللغة والثقافة الأمازيغيتين أو الذين ينادون بالحكم الذاتي
وسوف نقتصر، في هذا الصدد، فقط على مقالين، أما أحدهما فقد نشر في جريدة المساء (العدد 1057، 13-14 / 02 / 2010)، وأما الثاني فقد نشر في جريدة الأسبوع الصحفي (العدد 584/1021، 12 مارس 2010). وقد جاءت المقالة الأولى مرفقة برسالة من عبد الكريم إلى محمد الخامس، قدم لها صاحبها، رشيد نيني، بمقدمة يشرح فيها السبب الذي حدا به لنشر الرسالة، والذي لخصه في رغبته «تصحيح مغالطات تاريخية صورت الأمير عبد الكريم كمعارض للملكية وكطامع في الحكم». ولكن صاحبنا، وهو المشغول جداً بتصفية حساباته مع الحركة الثقافية الأمازيغية، سرعان ما نسي موضوعه الأصلي هذا لينزلق نحو موضوعه الأثير الذي جاء ليرافع من أجله، والذي يتلخص في التلويح بعروبة محمد عبد الكريم ومواقفه الأصيلة من اللغة العربية ومن الوحدة الوطنية، في وجه «غلاة الأمازيغية» الذين وضعهم في الطرف المناقض تماماً للمبادئ التي ظل يدافع عنها هذا الرمز التاريخي. لقد كتب صاحب المقال يقول: «ما أحوج بعض غلاة الأمازيغية في الريف والجنوب الناقمين على اللغة العربية أن يتمعنوا في دفاع الأمير عبد الكريم عن اللغة العربية، تعليماً واستعمالاً، وما أحوج بعض الداعين إلى الانفصال والحكم الذاتي في الريف الذين اجتمعوا في بروكسيل، الأسبوع الماضي، من أجل دراسة «مستقبل الريف»11، إلى تأمل الفكر الوحدوي للأمير المجاهد». ثم بعد ذلك يعرض للرسالة بعد أن يصفها بأنها «صالحة لمغرب اليوم» نظراً «لبعد نظرها وعمق مراميها، والوطنية الصادقة لكاتبها»    ه
ونحن إذ لا نناقش صحة كتابة عبد الكريم لهذه الرسالة من عدم كتابته لها، إذ هذا الأمر نتركه للمختصين، فإننا سنلاحظ أن المقالة، بتضمينها لهذه المقدمة التوجيهية، قد أخرجت الرسالة من سياقها التاريخي الذي جاءت فيه لكي تُحمَّل بمضامين أخرى جديدة، ولكي تتحول الرسالة إلى دليل إدانة شديدة لتيار يختلف معه السيد نيني. وإن شئنا الدقة قلنا: إن كاتب الرسالة قد توقف عن الدفاع عن عبد الكريم الخطابي بمجرد ما انزلق إلى موضوعه الأثير، والذي لم يكن الخطابي فيه سوى مشجباً رخيصاً لتحميل نصه / رسالته آراء الكاتب الإيديولوجية والسياسية في صراعه مع خصوم لا ينتمون إلى زمن الخطابي، ولا يصدرون عن نفس الفهم للوقائع، نتيجة لتغير الظروف والسياق، ونتيجة لاختلاف سقف الوعي من جيل إلى آخر. والحقيقة أن ما قام به كاتب المقال هو بالضبط ما كانت تقوم به النخب الوطنية من قبل، أي تنزيه «البطل-الأسطورة»، في سياق الدفاع عن العروبة والوحدة، بهدف تحييده وعزله عن الجماعة التي ينتمي إليها كخطوة أولى، ثم توجيه النصوص التي كتبها أو لم يكتبها لتصبح، كخطوة ثانية، حاملة لهواجس وآراء لم تكن لترد على بال الخطابي في ذلك الزمن. وأخيراً يصل إلى النتيجة المتوخاة، وهي: «تشطين» أو «شيطنة» الجماعة الأمازيغية التي ستصبح انطلاقاً من هذا التحليل العدو رقم واحد لمحمد بن عبد الكريم. كيف لا وهم جماعة من الغلاة الذين يعادون اللغة العربية ويتربصون بالوطن لفصل شماله عن جنوبه باسم الحكم الذاتي، في حين أن الخطابي هو الوحدوي والمدافع عن إدماج اللغة العربية في المدرسة، وجعلها رسمية في الدستور؟
وأما بالنسبة للمقالة الثانية والتي لا تحمل أي توقيع، فإنها تقدم عبد الكريم في صورة مناقضة تماماً للصورة التي قدمه بها السيد رشيد نيني. بله إن كاتب المقال بدأ منذ البداية يبرر سبب استبعاد عبد الكريم ورفض إدخاله إلى المغرب. تقول المقالة: «رويداً، رويداً تظهر أسباب هذا القرار الملكي أبا عن جد، بمنع دفن المجاهد عبد الكريم الخطابي في المغرب، واستمرار استبعاد نقل جثمانه ليدفن في الريف، لأن كل قرار من هذا القبيل سيحيي عند سكان منطقة الريف، تلك الروح التي هيمنت على بطل الريف، الذي بعد أن سجل انتصارات كبرى على الأسبان والفرنسيين أعلن نفسه رئيساً لجمهورية الريف». وعندما نتساءل عن هذه الروح التي هيمنت على عبد الكريم، والتي ستجعل الريفيين يحيونها من جديد، فإننا لن نجد أمامنا غير روح الجمهورية، وروح الانفصال، وروح الإحساس بالانتماء إلى الأمة الريفية دون الأمة المغربيةَ. ولتأكيد هذا الزعم فإن الكاتب سيرفق مقالته برسالة / بيان، كما فعل نيني، كان قد أرسله محمد عبد الكريم إلى الدول المشتركة في معاهدة الجزيرة الخضراء، والذي يصرح فيه بما يلي: نحن حكومة جمهورية الريف المؤسسة شهر يوليوز عام واحد وعشرين وتسعمائة وألف نعلن ونشعر الدول المشتركة في عقد الجزيرة لعام 1906 بأن المطامح العليا التي أدت إلى تلك المعاهدة كانت بسبب الخطيئة القائلة بأن بلادنا الريف تشكل جزءاً من المغرب، لأن بلادنا تشكل جغرافيا جزءاً من إفريقيا. فنحن لسنا مغاربة البتة كما أن الإنجليز لا يمكن أن يعتبروا أنفسهم ألمان
وللأسف فإن كلتا الرسالتين قُرئتا قراءتين مغرضتين: فالرسالة الأولى تنزه عبد الكريم وتشيطن التيار الأمازيغي، بله وتضعه على النقيض من المواقف والمبادئ التي دافع عنها الرجل؛ وأما الرسالة الثانية فإنها تهز هذه الصورة المنزهة هزاً عنيفاً وتجعل من البطل العربي والوحدوي والمدافع عن اللغة العربية رجلاً انفصالياً، فهو يعلن بأن القول «بأن بلادنا الريف تشكل جزءاً من المغرب» إنما هي»خطيئة أصلية»، بله والأدهى من ذلك أنه يصرح وبدون مواربة أننا نحن الريفيين لسنا مغاربة البتة

هكذا، إذن، يتحول البطل العربي المعتز بعروبته في جريدة المساء إلى ريفي مستغني، في جريدة الأسبوع الصحفي، عن الأمة المغربية (فبالأحرى الأمة العربية)، والوحديُّ فيه يتحول إلى انفصالي: إنها «المغالاة، يقول صاحب المقال، في التنكر للمغرب». وهنا، مرة أخرى، تُستحضر فزَّاعة الجمهورية الريفية، وفزاعة التخويف من الريفيين الذين سيحيي فيهم عبد الكريم، إن دُفن بمسقط رأسه، « تلك الروح التي هيمنت على بطل الريف». وفي جميع الأحوال فإن هذه الروح الشيطانية، إذ تَستهدف الجماعة الريفية الأمازيغية، فإنها تعمل قدر الإمكان لإطالة ذلك الإحساس القاهر بالخطيئة الأصلية التي ارتُكِبت يوم تم الإعلان عن الجمهورية، مع ما يحمله ذلك الإحساس من ضرورات الاستغفار النصوح عن الذنوب المرتكبة عن طريق التخلي عن الهوية الأمازيغية والاندماج النهائي في الجماعة العربية
والحقيقة أن صاحب المقال لو كان نزيهاً لاستمر في عرض الرسالة التي كتبها عبد الكريم. فالرسالة كما تم نشرها في مجلة أمل، العدد 8 السنة الثالثة 1996، تتحدث أيضاً عن دفاع عبد الكريم عن اللغة الأمازيغية، كما تتحدث أيضاً عن جنس الريفيين المنفصل عن سائر العروق الإفريقية. يقول البيان كما ورد في المجلة المذكورة
«نحن حكومة جمهورية الريف، المؤسسة في يوليوز 1921 نعلن ونشعِر الدول المشتركة في معاهدة الجزيرة الخضراء عام 1906، بأن المطامح العليا التي أدت إلى تلك المعاهدة لا يمكن أن تتحقق قط، الأمر الذي أثبته تاريخ الأيام الماضية، وذلك بسبب الخطيئة البدئية القائلة أن بلادنا، الريف، تشكل جزءاً من المغرب، إن بلادنا تشكل جغرافيا جزءاً من أفريقيا، ومع ذلك فهي منفصلة بصورة واضحة عن الداخل، وبالتالي فقد شكلت جنسياً عرقاً منفصلاً عن سائر العروق الإفريقية التي اختلطت بالأوروبيين والفينيقيين قبل مئات السنوات بفعل الهجرة. كذلك تختلف لغتنا بصورة بينة عن اللغات الأخرى، المغربية أو الإفريقية أو سواها. فنحن الريفيين لسنا مغاربة البتة، كما أن الإنجليز لا يمكن أن يعتبروا أنفسهم ألماناً».
غير أن الكاتب فضل عدم التعرض لإشكالية اللغة التي قال عنها عبد الكريم بأنها «تختلف بصورة بينة عن اللغات الأخرى المغربية أو الأفريقية». فلو تعرض لها لذهب، ربما، إلى القول بأن محمد بن عبد الكريم رجل لا يتنكر فقط للوحدة الوطنية ولكن يتنكر أيضاً للعربية وللعروبة، وبأنه يدافع عن لغته الأمازيغية وعن جنسه الريفي الذي اعتبره «عرقاً منفصلاً عن سائر العروق الإفريقية التي اختلطت بالأوروبيين والفنيقيين قبل مئات السنوات بفعل الهجرة». ولاحظوا، هنا، فإن عبد الكريم لم يقل أن هذا الجنس قد اختلط بالعرب أو بالأفارقة. لقد أكد، إذن، على هوية جنسية أخرى للريفيين، تماماً كما أكد على لغتهم الخاصة التي قدمها كدليل حاسم لكي يجعل كل الأمم المشتركة في معاهدة الجزيرة الخضراء عام 1906 مقتنعين بأن الريفيين أمة مختلفة، وأنهم يستحقون ليكونوا كذلك تماماً مثل الإنجليز الذين لا يعتبرون أنفسهم ألماناً. ولكن يبدو أن تفضيل كاتب المقال السكوت عن هذا الأمر راجع إلى أن صاحبنا يريد أن يوهم الناس بأن عبد الكريم ينطلق ايديولوجياً من نفس المنطلقات التي انطلقت منها النخب الوطنية، أي الانتماء إلى نفس العرق ونفس اللغة، أو على الأقل أنه (أي الكاتب) لا يريد أن يثير إشكالية اللغة كما كان طرحها عبد الكريم في زمن لم تكن فيه لا حركة ثقافية أمازيغية ولا تيارات تدعو إلى الحكم الذاتي
إنها، إذن، صورة متشظية عن بطل يجمع بين كل المتناقضات، ولكنها صورة تؤدي أهدافها كاملة حسب سياقات الاستعمال. وللرد على هذه الآلة الإعلامية الرهيبة القادرة على الانتقال من النقيض إلى النقيض، حاولت الحركة الثقافية الأمازيغية بالقليل مما لديها من إمكانيات إعلامية تسفيه هذه المواقف، ووقفت نفس الموقف الذي وقفته نخب الحركة الوطنية والتابعين لها من الجماعة «البربرية»، إذ استعارت تقريباً نفس الخطاب، ونفس المنطق. فالنخبة الوطنية المدينية في نظر هؤلاء ليست في الأصل سوى فريق من «الانتهازيين» الذين أصبحت لهم امتدادات في جماعات العروبيين والقوميين والسلفيين والإسلاميين. وكل هؤلاء ليسوا سوى امتداد، في نظرهم، لتلك الجماعة الحضرية الأولى التي تاجرت بالقيم الوطنية من أجل تحقيق مصالحها، فأدخلوا المستعمر وأصبحوا محميين له، بله والأدهى من ذلك أنهم هم الذين خانوا محمد بن عبد الكريم في أكثر من موقع. خانوه عندما تعاونوا مع المستعمر ولم ينضموا إليه في القتال، وخانوه عندما تواطأوا ضده من أجل تكسير شوكته، وخانوه عندما سلموه للفرنسيين، وخانوه عندما استدرجوه إلى مصر وأحكموا عليه الإغلاق فأخذوا يراقبونه ويتجسسون عليه، بل ويستغلون اسمه في المحافل الدولية من أجل جمع الأموال وصرفها على أنفسهم، بله وخانوه أيضاً عندما حاكوا ضده الدسائس كي تسوء علاقته بالقصر. وعلى هذا الأساس اعتبرت النخب المدافعة عن الأمازيغية أن تجربتها في الدفاع عن اللغة والثقافة الأمازيغيين إنما هي التجربة الحق التي يمكن اعتبارها امتداداً حقيقياً لتجربة محمد عبد الكريم الخطابي، فإذا كان الأول قاوم من أجل الأرض، فإنما هم يقاومون من أجل ما يشكل جوهر انتمائهم، أي الهوية الثقافية واللسانية التي تربى في كنفها محمد بن عبد الكريم.
وبهذا أصبحت الإحالة على شخصية عبد الكريم وعلى حرب الريف ظاهرة عقدية وإيديولوجية أكثر مما هي ظاهرة تاريخية وعلمية. فقد تغذت، للأسف، مما تراكم من إحباطات ونزوعات فردية وجماعية لتصفية حسابات سياسية مع فرقاء وخصوم لم يعودوا ينتمون إلى زمن عبد الكريم، ولكن ينتمون إلى زمن أبناء وحفدة عبد الكريم. وهل لنا أن ننسى الحصار الذي ضرب على هذه الشخصية لعقود طويلة نتيجة لهذا الاستخدام السيئ، والذي تبرأ منه عبد الكريم في حياته كما أشرنا، بله واعتبره شكلاً من أشكال المس بحجيته وصدقه. إن هذا الاستغلال السياسي يحمل، في نظرنا، إرهاصات خطيرة لتدمير رمزية هذه الشخصية التاريخية، ليس فقط لأن عبد الكريم اتخذ مواقف محددة في سياقات وظروف خاصة كان لا بد أن يتخذها، ولكن أيضاً، وهذا هو الأخطر، لأن تلك المواقف تُفسر كما لو أنها أبدية تتجاوز الزمان والمكان وتخضعهما له. إن الأمر لا يتعلق، هنا، باستلهام للقيم النبيلة من نمط: حب الوطن، الدفاع عنه، استرخاص النفس من أجل الآخرين إلخ.. بله ولا يتعلق حتى بدراسة هذه الشخصية والكشف عن مكامن أخطائه وحسناته. إن الأمر يتعلق بإشكالات سياسية آنية، منها: الموقف من وحدة الوطن، الموقف من الحكم الذاتي، الموقف من العربية والعروبة، الموقف من العلمانية، الموقف من الأمازيغية والحركة الأمازيغية، وأيضاً الموقف من الإسلام والإسلام السياسي إلخ.. وبصيغة أخرى فإننا نطالب من عبد الكريم أن يفتي لزمن غير زمانه، نريد أن نورطه في صراعاتنا التي لم يكن لها حضور في زمنه، ونحن إذ نُغِيرُ على رسائله والوثائق التي تركها فإننا بحكم الجهل المركّب بالظرف التاريخي وملابساته، وبحكم النزوعات الإيديولوجية المدمرة التي تتحكم في اختياراتنا نفرغ هذه الرسائل وهذه الوثائق من سياقاتها التاريخية الحقيقية لنحملها بمضامين تنتمي إلى سياقنا التاريخي الحالي، ولنتلاعب بتاريخنا الجماعي مسقطين أهواءنا وطموحاتنا على نصوص نقوِّلُها ما لا تقوله. وبهذا صنعنا من عبد الكريم شخصية «التناقض» المثلى، فهو انفصالي ووحدوي في نفس الوقت؛ وهو عروبي متشبع بعروبة القوميين والأحزاب الوطنية وريفي يتنكر لمغربيته وللجنس غير الريفي من المغاربة؛ وهو منافح عن اللغة الأمازيغية التي درَّسها بمدينة مليلية، ويتنكر للغات المغربية الأخرى؛ وهو جمهوري يرفض الملكية، وملكي يعترف بسلطان محمد الخامس ويصادق الملك فاروق؛ وهو علماني لأنه انبهر بالتجربة التركية، ولم يطبق الشريعة الإسلامية لما كان أميراً على الريف، فيقطع الأيدي ويرجم الزناة، ولكنه دعا، أيضاً، إلى السير على هدى الغربيين؛ وهو سلفي، لأنه درس بالقرويين ودافع عن الإسلام السني، وعن الأمة الإسلامية، وإسلامي لأنه جاهد باسم الإسلام، ورفع السيف في وجه الاستعمار باسم الدين، ولكنه وطني لأنه رفض استعمال الإسلام كإيديولوجية للدفاع عن الأرض، كما عبر عن ذلك في أكثر من موقع. إنه بكلمة واحدة عدو للشيء ونقيضه، صديق للشيء وضده. هذا هو عبد الكريم الذي يُقَدَّم إلينا في كتبنا ومجلاتنا وجرائدنا وإعلامنا، بله وفي مدارسنا. فهل من عقل حكيم؟

 


إن الذي يجب التأكيد عليه هو أن عبد الكريم كان
ـ أمازيغياً من الريف، وكانت لغته الأم هي اللغة الأمازيغية التي استعملها في حياته اليومية ومع المجاهدين في مقاومته للاستعمار، فكان يخطب في الناس بها، ويصدر الأوامر، لأن الريفيين لم يكونوا يفهمون ويتواصلون بغيرها،
ـ يحب لغته الأمازيغية ويحيا بها، بدليل أنه لم يتنكر لها يوماً ولم يمجها، ولم يُصدر بياناً أو يعلن في لحظة ما أنها لغة غير صالحة لتُدرّس في المدرسة كما فعلت التيارات العروبية المدينية التي نادت بقتلها، ودبجت البيانات والقرارات لإقصائها كي يصفو الجو لغيرها
ـ يحرص على نقلها إلى الأجيال اللاحقة، بدليل أنه علمها لأبنائه، ولم يكن يرضى أن يستعمل غيرها في بيته مع أهله وفي اللحظات الحميمية والانفعالية التي كانت تجمعه بمن يحب أو بمن يثيره، سواء عندما كان بين ظهراني أهله بالريف أو عندما كان منفياً في جزيرة لارينيون أو عندما فضل الاستقرار بمصر. وهذا ما أكده أبناؤه وحفدته وكل الذين عايشوه في أكثر من تصريح وحوار؛
ـ يدرِّس اللغة الأمازيغية في مدينة مليلية لسنوات، ولم يصدر عنه أنه أحس بالدونية يوماً وهو «يرطن» بهذه اللغة أمام جنيرالات ونخب المدينة
ـ يعي أهمية اللغة والفروقات اللسانية بين الريفيين وغيرهم من ساكنة المغرب، وهو ما جعله ينص على أن لغة الريفيين تختلف عن لغات المغاربة الآخرين عند كتابته للبيان الذي أرسله إلى منظمة عالمية تضم كل الدول المشتركة في معاهدة الجزيرة الخضراء عام 1906؛ وهو ما يعني أنه كان يحمل وعياً جنينياً بإشكالية اللغة وعلاقتها بتشييد الأمم
ـ يعتز بحرب المقاومة التي قادها ضد أعتى الدول الاستعمارية في ذلك الوقت، بل ولم يتنصل يوماً من جمهوريته ولا من انتمائه الريفي الأمازيغي، لا عندما كان مقاوماً بجبال الريف، ولا عندما كان منفياً في جزيرة لارينيون ولا عندما كان مستقراً بمصر
ـ يحمل مشروعاً إنسانياً يتجاوز المفهوم الضيق للقومية العربية الذي ظلت تدافع عنه الحركة الوطنية، كما أنه لم يسجل عليه أنه انخرط يوماً في أية حركة قومية كيفما كانت، والأكثر من ذلك أنه ظل وفياً للملك فاروق رغم المكانة التي كان يحتلها في جمهورية عبد الناصر الذي كانت علاقته به متوترة في بعض المحطات،
ـ منبهراً بالتجربة التركية العلمانية، وبشخص أتاتورك الذي جعل من اللغة التركية لغة رسمية للبلاد، بل وتحمس في مرحلة من مراحل حياته المقاومة لإرسال الطلبة الريفيين إلى تركيا لتلقي تعليمهم، بالإضافة إلى كونه كان منبهراً أيضاً بالحضارة الغربية، ودعا إلى اقتفاء أثر الغربيين للخروج من التخلف. يقول في إحدى تصريحاته: «لقد أعجبتني السياسة التي اتبعتها تركيا، [...] فلن تستطيع الدول الإسلامية أن تستقل إلا إذا تحررت مقدما، من التعصب الديني واقتفت أثر الشعوب الأوروبية، إلا أن الريفيين لم يفهموني، وقد ناهضني الشيوخ لأنهم شاهدوني مرة وقد لبست زي ضابط. فكل بلد لا تزال تقيم وزنا كبيرا لهؤلاء المشايخ، لن تتقدم إلا ببطء إلا إذا ما لجأت إلى العنف والقوة»12. وفي غشت 1923 أذاع الخطابي منشوراً يقول فيه: «إن الريفيين قادرون على حكم بلادهم ومستعدون أن يبرهنوا كما برهن الترك على أنهم يستطيعون بلوغ مرامهم بقوة ساعدهم»13. وهذا يثبت، مرة أخرى، أن الرجل لم يكن شرقاني أو قومي الهوى كما لا يني يؤكد أولئك الذين انزرع في نفوسهم هذا الهوى،
ـ ينتقد طروحات الوطنيين الفكرية والإيديولوجية والسياسية، إذ اعتبرهم مهادنين همهم الوحيد هو البحث عن مصالحهم من خلال استعادتهم لنفس النموذج المخزني الذي كان سائداً في القرن التاسع عشر؛ بل إنه في سياق مجادلته مع علال الفاسي الذي قال عنه مستنكراً بأنه «لم يبن خلال خمس سنوات مدرسة واحدة»14، أجابه الخطابي قائلاً: «نعم، ولكنكم أنتم، وطنيو مرحلة ما بين الحربية، لم تفعلوا إلا هذا، إنكم لم تكونوا سوى أساتذة مدارس»15
وبالإضافة إلى كل هذا وذاك حاول محمد بن عبد الكريم الخطابي أن يبرئ ساحته من استغلاله للدين في حربه ضد المستعمرين، ولذلك صرح في أكثر من مناسبة أنه لم يكن إلا رجلاً وطنياً قام يدافع عن أرضه بقوة السلاح. بله، وأشار في بعض تصريحاته إلى أن التعصب الديني كان سبباً من أسباب هزيمته، فقد قال: «كان التعصب الديني سببا من أسباب هزيمتي»، وأكد على أن ما يقوم به المغاربة والجزائريون من ممارسات عنيفة ضد المستعمرين ليس من الإسلام في شيء، فبالنسبة إليه أن: «الإسلام لا علاقة له بما يمارسه الجزائريون والمغاربة»16. ويبدو أن هذا الموقف هو الذي جعل عبد الكريم لم ينضم إلى حركة الإخوان المسلمين بمصر كما لم ينضم إلى حركة القوميين، بالإضافة إلى أن حربه ضد المستعمر لم تسوغ له يوماً وضع القنابل في الأسواق والاعتداء على المدنيين كما دأبت على فعل ذلك الحركات الدينية المتطرفة، بله إنه رفض رفضاً قاطعاً الدخول إلى مليلية عندما انتصر في أنوال لخوفه من أن يتحول هذا الانتصار إلى مجزرة ضد السكان
ولكن هل هذا يعني أن عبد الكريم كان يحمل مشروعاً أمازيغياً واضح المعالم في سياق تأسيسه لجمهوريته؟ إننا لا ندعي هذا، غير أن الشيء الوحيد الذي نحن متيقنون منه هو أن عبد الكريم كان يحمل مشروعاً تحريرياً وتحررياً: تحريرياً، لأنه كان يريد أن تظل الأراضي المغربية خالية من أي استعمار أجنبي؛ وتحرريا، لأنه كان يريد للمغرب أن يخرج من التخلف ويلتحق بركب الدول المتقدمة ويعدل بين مواطنيه. ولأن القضية الأمازيغية لم تكن مطروحة في زمنه بالشكل المُلِحّ الذي هي مطروحة به اليوم، فهو لم يكن يصدر في كل مواقفه السابقة عن مشروع أمازيغي واضح (وإن كان يحمل بذوره) كما هو الأمر بالنسبة للمشروع الذي نذر له نفسه: أي المقاومة المسلحة لاسترداد الأرض. فالأمازيغية في زمنه لم تكن مهددة كما هي مهددة اليوم بفعل التعريب والعولمة، وانتشار وسائل الإعلام، كما أن اللغة العربية وثقافتها كانتا تشكلان، في ذلك الوقت، بالنسبة إليه امتداداً لهويته الأمازيغية، بحيث أنه لم يكن يشعر بأنها تهدد لغته الأم، ولا كيان الجماعة التي ينتمي إليها. وعلى هذا الأساس، فإنه كان
ـ يعتز باللغة العربية ويستعملها في حياته الثقافية والدينية على غرار ما كان معهوداً في ذلك الزمن، وفي الحدود الوظيفية الممكنة التي كانت تتحرك داخلها هذه اللغة؛ بله إنه مارس تدريسها لما كان مستقراً بمدينة مليلية إلى جانب اللغة الأمازيغية
ـ يحرص على تعليم اللغة العربية لأبنائه، ويحضهم على إتقانها، لكونها كانت البوابة لتعلم المعارف الدينية، ولممارسة الشعائر الإسلامية؛ وهو ما أكدته تصريحات الأبناء؛ كما أنه لم يكن منغلقاً على لغته الأم (الأمازيغية) وعلى اللغة العربية فقط، بله إنه كان منفتحاً على اللغات الأجنبية ومنها اللغة الأسبانية والفرنسية، وقد عمل على تعليم أبنائه هذه اللغات بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية؛
ـ يحرص أن تحتل هذه اللغة مكانتها التي تستحقها في مرافق الدولة المغربية، وهو ما دعا إليه أكثر من مرة
ـ يميز بين الدفاع عن اللغة العربية وما تحمله من قيم ثقافية ودينية سامية وبين الدعوات التي تستعمل هذه اللغة وهذه الثقافة للضغط في اتجاه الانخراط في حركة قومية يعقوبية كحركة القوميين العرب من مسلمين ومسيحيين أو في حركة دينية متطرفة كحركة الإسلاميين الذين يستعملون الدين للوصول إلى السلطة وبناء مشروعهم القائم على القهر والتنميط اللساني والحضاري
ـ يعشق الأمة العربية ويعتز بنضالاتها ويعمل من أجل تحررها وتقدمها وازدهارها، دون أن يعني ذلك أنه كان قومياً أو إسلامياً أو أنه كان يتنكر لجذوره الريفية-الأمازيغية ويدعو إلى اغتيالها أو على الأقل إقصائها
ـ يحترم الاختيارات القومية للدولة الناصرية، بله وعمل من أجل استثمارها في ذروة انتشارها من أجل تحقيق الجلاء الاستعماري من المغرب وشمال إفريقيا، وهذا ما تؤكده الكثير من تصريحاته ومن الرسائل التي أرسلها إلى الرئيس جمال عبد الناصر17
ـ يحب المغرب، ومستعد للموت من أجله؛ وكان مؤمناً بوحدته وبالوحدة المغاربية، مستعداً للتخلي عن كل شيء لتحقيقها، دون أن يعني ذلك أنه تنصل من جمهوريته الريفية التي ظل يعتز بها، أو بريفيته التي رضعها في الألبان؛ وفوق ذلك كله فإن هذا لم يمنعه أبداً من أن يعلن على رؤوس الأشهاد أن الملك الشرعي للمغرب، وضمنه الريف، هو محمد الخامس، وأن مقاومته للاستعمار أو تأسيسه للجمهورية المعلومة لم يكن أبداً من أجل البحث عن السلطان أو من أجل الحصول على الجاه والمال، أو من أجل فصل الشمال عن الجنوب. ولهذا رفض رفضاً قاطعاً أن يكون «ألعوبة بين أيدي الاستعمار لمنافسة الملك الشرعي محمد الخامس»18، فنزل بمصر حتى لا يستغل سياسياً؛ ولتوضيح مواقفه أرسل ابنه إدريس يوم 12 شتنبر 1956 «ليعبر عن ولائه وولاء الأسرة الخطابية بأجمعها للملك محمد الخامس»19، كما أنه سيقابل يوم 13 يناير 1960 الملك محمد الخامس بقصر القبة بالقاهرة، ويشرح له مواقفه، ثم يضع بين يديه كل مطالبه والتي اختصر أهمها في «بحث الخطوات الجديدة العملية لإجلاء كافة القوات الأجنبية من المغرب وبدون قيد ولا شرط»20 

ـ يؤمن بالإسلام ديناً، ويستلهم منه قيمه النبيلة؛ غير أن هذا لم يكن حافزاً بالنسبة له لكي يستعمل هذا الدين في مشاريعه «الجهادية» أو السياسية، كما أن هذا لم يمنعه لكي ينبهر بالتجربة العلمانية التركية، ويدعو إلى مقاطعة الشيوخ واقتفاء أثر الغرب

 


إن محمد بن عبد الكريم الخطابي كان يعكس، في العمق عصره، ويعكس الظروف التي عاشها والتي فَرَضَت عليه لكي يتخذ كل المواقف التي اتخذها. وأما أن نحاول اليوم إخراج كل ما قام به من سياقه التاريخي وإسقاط أحلامنا وطموحاتنا وإيديولوجياتنا وصراعاتنا السياسية الآنية على نصوص ووثائق تقرأ بشكل مبتور وخارج سياقها، فهذا هو الاعتداء المبين على رجل استرخص حياته وقاوم بكل ما لديه من عزم من أجل تحرير بلده وجعله مرفوع الرأس كما كان لا يني يكرر. لقد كان محمد بن عبد الكريم محكوماً بإكراهات فكرية وتنظيمية وحربية وسياسية قاهرة فرضت عليه أن يعلن عن جمهوريته، وكان محكوماً بثقافة أمازيغية تعكس الذهنية الجماعية للريفيين، جعلته يؤكد على اختلاف اللسان الريفي عن باقي الألسنة الأخرى، كما أنه كان محكوماً أيضاً بإكراهات التحولات السوسيو-ثقافية والسياسية والقومية التي كانت تعج بها الساحة السياسية والثقافية بمصر لما استقر بأرض الكنانة، مما جعله ينخرط في الدفاع عن قضايا العرب والمسلمين، ويرجئ الخوض في القضايا ذات الصبغة الهوياتيه، إما لكونها لم تكن مطروحة في ذلك الوقت أو لأنها لم تكن قد نضجت بعد في ذهنه. وهل كان في إمكانه أن يجعل من الأمازيغية إحدى أولوياته وهو الذي كان يناضل من أجل الأرض؟ بله، وهل كان في مقدوره أن يجعل اللغة العربية من أولوياته أيضاً وهو الذي كان ينسق على الصعيد المغاربي لتنظيم الكفاح المسلح؟ إن الأهم بالنسبة إليه كان هو تحرير الأرض المغربية، وبناء مجتمع عادل يسوده الأمن. وأما القول اليوم بأن عبد الكريم لم يطالب بتدريس اللغة الأمازيغية، وأنه لذلك يجب على الحركة الثقافية الأمازيغية أن تصمت وأن تقف عند سقف الوعي الذي وصل إليه عبد الكريم، فأعتقد أن هذا إيقاف لسيرورة الزمن، ودعوة إلى التخلي عن هذه اللغة التي درّسها عبد الكريم، وعلمها أبناءه رغم ظروف الحرب والنفي والغربة
إن هناك على الأقل مكونين، كما يقول عبد الله العروي، يشكلان شخصية الرجل، فهناك أولاً «المكون الريفي»، وهو المكون الذي يحيل، في نظرنا، على هويته العميقة، بوصفه كائنا اجتماعيا له انتماء إلى ثقافة ولغة-أم، وهما العنصران اللذان يبنينان كيانه: شعوره ولا شعوره؛ وهناك من جهة ثانية «المكون الأجنبي»، إذ لا ننسى أن عبد الكريم تأثر بالحضارة الغربية، وعبر بشكل واضح عن نيته الإصلاحية من خلال تبني نماذج حضارية غربية، وعلى رأسها النموذج السياسي الذي بلوره في النظام الجمهوري الذي أرساه، أو من خلال دعوته لتبني نموذج سياسي ملكي قائم على مفاهيم الديموقراطية التي يضمنها الدستور21. ويمكن أن نضيف إلى هذين المكونين «المكون الإسلامي» الذي ظهر واضحاً بعد انتقاله من جزيرة لارينيون إلى مصر؛ ومن الثابت فإن المكونين الأولين هما ما كانت تعارضه النخب المدينية في شخص عبد الكريم، فهي كانت تعتبر المكون الأول يشكل تهديداً لتوسعها في البوادي، ولفرضها النموذج اليعقوبي القائم على التنميط الاقتصادي والثقافي واللساني؛ كما كانت تعتبر المكون الثاني تهديداً مباشراً لمشروعها الدولتي القائم على بناء دولة مخزنية عروبية وتستعيد نفس أشكال الحكم التيوقراطية التي تخول لها تحويل المغرب إلى مقاطعة تابعة للعائلات المتنفذة. وعلى هذا الأساس فقد شكل انهزام الخطابي ونفيه فرصة سانحة للتعبير عن مشروعها من خلال
ـ مناهضة مشروع عبد الكريم الخطابي التحرري، إذ كانوا يتوهمون أنه كان يحمل مشروعا «بربرياًّ» يقف في وجه توسع المخزن العربي، وأن هذا المشروع يشكل خطراً عليهم، وهو ما عبر عنه ريزيت عندما قال: «إن الانتصار على عبد الكريم الخطابي قد شكل النجاح النهائي لتعريب المغرب، وذلك رغم الاستعمال الانتهازي والمخالف الذي قامت به الصحافة العربية للشرق الأدنى لهذا الانتصار. ومنذ ذلك الحين فإن أي تناول للخصوصية البربرية لا يكون له كمقابل التوسيع المتلازم لنفوذ المخزن العربي في المغرب، سيبدو وكما يعبر عنه، بألفاظ ديماغوجية، «يرفع وتيرة الأسلمة»»22
ـ سكوتها التام عن مصير عبد الكريم منذ أن تم نفيه إلى جزيرة لارينيون من طرف فرنسا سنة 1926 إلى حين نزوله بمصر سنة 1947، وعدم المطالبة بعودته إلى المغرب، بله واستغلال غيابه لتحيين مشاريع أخرى تختلف تماماً عما كان يدعو إليه الخطابي23،

ـ التركيز على سياسة المهادنة والمقاومة السلمية القائمة على المفاوضات السرية، وتوقيع البيانات، وفي بعض الحالات الانخراط في تبني السياسة الاستعمارية وذلك كما وقع عندما تمت مبايعة بن عرفة، وهذا كله بدلاً من المقاومة المسلحة التي قادها عبد الكريم وقادتها إلى جانبه النخب الأمازيغية في الجنوب،
ـ التبرؤ من جميع العمليات العسكرية التي قام بها المقاتلون، والتي كان يشجعها عبد الكريم بله وكان يعمل من أجل إنجاحها
ـ التركيز على مبدأ عروبة المغرب من خلال تبنيها لمفاهيم القومية العربية التي كان ينشرها شكيب أرسلان، وتجاوزها لمفهوم تعليم اللغة العربية وثقافتها، والذي كان يدعو إليه عبد الكريم، إلى مفهوم تعريب الإنسان والمحيط،
ـ تركيزها على مشروع بناء الدولة القومية العربية ذات المنحى المخزني والتيوقراطي، ورفضها المطلق لتجربة الدولة التركية العلمانية التي وضع أسسها كمال أتاتورك،
ـ تغييبها للمكون الأمازيغي بشكل مطلق من المؤسسات، واستغلالها لما يسمى بـ»الظهير البربري» لكي تشرعن لعملية التعريب ولتؤسس لدولة ممركزة تقوم على التعليمات، وترفض أي نوع من أنواع التسيير المحلي للجهات بما فيه التسيير التقليدي الذي كان سائداً من قبل
ولنا أن نتساءل بعد كل هذا. هل كانت تجربة الحركة الوطنية امتداداً لتجربة محمد بن عبد الكريم؟ إن عبد الله العروي يذهب إلى أن الحركة الوطنية لم تستعد للأسف هذه التجربة ولم تستفد منها، بله حرفتها. يقول: «لم تغن التجربة الريفية، الحركة الوطنية، ولم تضف إليها، بل يحتمل أن تكون الأخيرة هي التي استرجعتها وحرفتها كي تلتقي مع منطلقاتها الخاصة»24. ونحن إذ نشير إلى هذا الخلل وإلى هذا الاستغلال والتحريف المشين نرجو أن يتوقف تلامذة الحركة الوطنية، الذين أصبحوا كثراً اليوم، عن استغلال هذا الاسم الكبير وتحريف تجربته الثرية في حرب الريف من أجل تحقيق أهداف أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها دنيئة: اغتيال الأمازيغية لغة وثقافة وطمس حضارتها واتخاذ الأمازيغ خوَلاً، والوقوف في وجه تحديث الدولة المغربية عن طريق شرعنة «العروبة» كقيمة أسمى والحط من قيمة «المزوغة» بوصفها رديفاً للتخلف والفلكلرة والخيانة والهمجية، وأخيراً، إعادة إنتاج النخب على أسس عائلية وعرقية.
الإحالات
 نقلاً عن: علي الإدريسي، عبد الكريم الخطابي: التاريخ المحاصر، منشورات تفراز ن اءريف، دار النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2007، ص: 273
 نفسه، ص: 273
مصطفى أعراب، الريف بين القصر، جيش التحرير وحزب الاستقلال، منشورات «اختلاف»، مطبعة فضالة-المحمدية، الطبعة الأولى 2001، ص: 80
نفسه، ص: 79
 يقول مصطفى أعراب :» لا يوجد هناك دليل واحد يدل على أن ثوار المنطقة الشمالية من المغرب كانوا ينزعون نحو الانفصال. كل ما هنالك هو أن ابناء هذه المنطقة الذين كانوا قد انسجموا كثيراً مع الإسبان بحكم العلاقة التاريخية (منفذي سبتة ومليلية ثم الجزر الجعفرية) وجدوا أنفسهم أمام «استعمار» جديد (كما كانوا يسمونه) هو الاستعمار الفاسي، أي استعمار أهل فاس بقيادة عائلة علال الفاسي التي كانت علاقتها بالمنطقة من أسوء العلاقات». مصطفى أعراب،: الريف بين القصر، جيش التحرير وحزب الاستقلال، منشورات اختلاف 9 مطبعة فضالة –المحمدية، توزيع سوشبريس، الطبعة الأولى 2001، ص: 76-77
 علي الإدريسي، عبد الكريم الخطابي: التاريخ المحاصر، ص: 278
 نفسه، ص: 278
 عبد الله العروي، عبد الكريم والحركة الوطنية المغربية حتى 1947، ورد في مجلة أمل، العدد 8، السنة الثالثة 1996، ص: 107
 علي الإدريسي، عبد الكريم الخطابي: التاريخ المحاصر، ص: 279
 نفسه، ص: 282
 تجدر الإشارة إلى أن «التجمع الديموقراطي للريف» الذي اجتمع في بروكسيل، وهو المعني بمقالة رشيد نيني، قد بعث برسالة توضيحية نشرت في جريدة العالم الأمازيغي، العدد 118، مارس 2010-2960، يؤكد فيها أن «أكراو ن الريف (وهي التسمية الأمازيغية التي يحملها) لم يدع أبداً لا في أدبياته ولا في خطاباته إلى الانفصال». إن هذا التجمع تؤكد الرسالة « إطار للنقاش والتفكير حول مختلف القضايا التي تهم الريف والوطن، ويحاول إشراك جميع الفاعلين والباحثين والخبراء وكل المعنيين بمستقبل الريف والمغرب في النقاش لبلورة تصور لمستقبل الريف والمغرب معاً»
عبد الله العروي، عبد الكريم والحركة الوطنية المغربية حتى 1947، (مرجع مذكور)، ص: 107
 روجر ما ثيو، ت. عمر أبو النصر، مذكرات الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، مطبعة فضالة، المحمدية الطبعة الأولى، 2005، ص: 74
 عبد الله العروي، عبد الكريم والحركة الوطنية المغربية حتى 1947، (مرجع مذكور)، ص: 108
 نفسه، ص: 108
 نفسه، ص: 107
17 لقد كان عبد الكريم الخطابي يعلق آمالاً كبيرة على الثورة القومية العربية لتحرير أرض شمال إفريقيا من الاستعمار، ولذلك حاول في كل مرة أن يستغل اسمه وموقعه ليدفع القوميين لكي يتدخلوا ويساعدوا الحركات التحررية التي انطلقت في كل من تونس والجزائر والمغرب. وهكذا فإنه عندما اندلعت الثورة الشعبية ضد حزب الاستقلال بالريف وبزعامة القائد محمد أمزيان سنة 1958، كتب الخطابي رسالة إلى جمال عبد الناصر يدعوه فيها إلى التدخل كي يساعد على «إجلاء القوات الأجنبية عن القطر المغربي جلاء تاماً وناجزاً»، وعلى أن يقف بحزم في وجه العملاء (ص: 41، زكي مبارك). وللحقيقة فإن عبد الكريم الخطابي، نتيجة للسياق القومي القاهر الذي كان منتشراً في تلك المرحلة، فُرض عليه أن يستثمر هذا السياق من أجل
خلق نوع من الانسجام بين مختلف المكونات التي كانت تتشكل منها لجنة تحرير المغرب العربي والتي كان يحظى بشرف رئاستها؛ إذ، من المعلوم، أن جل هذه المكونات كانت مومنة، أو على الأقل، متأثرة بالدعاية للقومية العربية. ولم يكن عبد الكريم بقادر على أن ينفلت من الجو العام الذي كان سائداً آنذاك، كما أن الهدف الأساسي الذي كان يشغل باله ويخطط له إنما هو جلاء المستعمر من الأراضي المغاربية. فكان، لذلك، حريصاً على هذا الانسجام. ولو افترضنا أنه طرح قضايا ذات علاقة بالهوية، فمن المؤكد أن الجميع سيكون ضده، بله وسيستغل ذلك لحياكة الدسائس ضده لدى جمال عبد الناصر تماماً كما حيكت ضده لدى محمد الخامس
جعل عبد الناصر وكل القوميين ينخرطون في الحركة المسلحة التي كان يقودها بشمال إفريقيا. وقد عمل كل ما بوسعه كي لا ينخرط المغرب وتونس في جامعة الدول العربية، وذلك لاعتقاده أن انخراطهم هذا سيؤدي إلى التأثير على مسار الحركات التحررية التي كان يقودها آنذاك. بله إنه كتب رسالة إلى عبد الناصر ينبهه فيه إلى أن دخول الدولتين إلى الجامعة سوف يؤدي إلى «تخريبها وتحطيمها، إما علناً ومباشرة أو سرا وغير مباشر وببطء وحذر» رسالة الخطابي إلى عبد الناصر، أنظر زكي مبارك، محمد الخامس وابن عبد الكريم الخطابي، وإشكالية استقلال المغرب، منشورات فيديبرانت، الطبعة الأولى 2003، ص:57 

الكاتب: عبد السلام خلفي

المصدر: تمازغا بريس


 
ر
E-Mail: Timsnablog@gmail.com

Admin: Elouastani@gmail.com

الصفحة السابقة إجعلها الرئيسية أضفها إلى المفضلة طباعة الصفحة الإعلان معرض الصور تحميل كتب خدمات عن المدونة أنشر هنا أضف رأيك إتصل بنا صفحتنا على فايسبوك صفحتنا على تويتر قناتنا على اليوتيوب مسيقى ملتزمة
Loading...