المرأة الأمازيغية بالريف

صورة المرأة الأمازيغية في شعر المقاومة الريفية وعلاقتها بالذات و الآخر

صورة المرأة الأمازيغية في شعر المقاومة الريفية وعلاقتها بالذات و الآخر


منذ بداية القرن العشرين نظمت ملاحم شعرية، تشيد بالبطولة الخارقة للمقاوم الريفي لاسيما خلال حرب الريف، ومن بين الملاحم الخالدة التي سجلها التاريخ بمداد الفخر والشجاعة، والتي حافظ عنها الشاعر عبر الذاكرة الشعبية الجماعية ملحمة «دهار ؤبران» التي تصور الانتصار العظيم الذي حققه الريفيون، هذه القصيدة تزف إلينا ـ يقول محمد الشامي ـ بشرى الانتصار على المستعمر الإسباني .



وتظل هذه الفترة، مرتبطة بملحمة المقاومة الريفية في العقد الثاني من القرن العشرين، فكما هو معروف، دشن محمد عبد الكريم الخطابي ابتداءا من صيف 1921 عهدا جديدا في تاريخ المقاومة المغربية في شمال البلاد وذلك في ظروف اتصفت بهيمنة الحماية الأجنبية التي جزأت الوطن إلى ثلاثة مناطق نفوذ فرنسية، إسبانية ثم طنجة دولية. وكانت ظروف الاحتلال في المنطقة الشمالية تستدعي من رجال المقاومة المسلحة إيجاد أداة فعالة متكيفة مع ذلك الظرف الدقيق وتستجيب لمتطلبات الدفاع والمواجهة لخدمة أغراض وطنية نبيلة. ولاشك، بأن المرأة الريفية جندت نفسها لخدمة هذه الأهداف النبيلة وسجلت حضورها القوي وشجاعتها وعزيمتها الخالصة في الدفاع عن هويتها وشرفها وكرامتها.


ولقد استطاعت المرأة الريفية أن تجعل من الشعر الأمازيغي الذي نظمته أو الذي قيل عنها خلال سنوات الجمر وثيقة حية تصور لنا جميع الجوانب التي تفيد الباحث في دراسة هذه الحقبة من تاريخنا المنسي، وتعد هذه الأشعار النوع الأدبي الوحيد الذي استطاع أن يعبر عن البطولات الجهادية في شكل ملاحم كملحمة «دهار ؤبران» التي استمرت متوارثة من جيل لآخر رغم عدم تدوينها .


وتحمل ملحمة «دهار ؤبران» في أبيات متفرقة الدور البطولي للمرأة الريفية خلال الحرب التحريرية بمنطقة الريف، فنسمع الشاعر(ة) الأمازيغي(ة) يقول:


رقارب ن سكوار، إزوقن سوفيرو

«فاضما» ثاواييغتش، شنا مرا ثورو

شنا مرا ثابيس، أبياس ن ـ أبعا دورو

شنّا مرا ثكاس، إمحند هلارالو 


الشاعر هنا يرفع من مكانة الأم الريفية التي لها الشأن السامي في أن تحزم حزاما ثمين القيمة آنذاك، وكأنه وسام الشجاعة لأنها ولدت أبطالا سيهزمون المستعمر.

ولم تستسلم المرأة الريفية لمعاملة جنود الاستعمار القذرة، وما كانوا يستعملونه من أساليب القمع والترهيب والضغط النفسي والجسدي على الأسر الريفية، فيرغمهن على الامتناع من تقديم وإعداد وجبات غذائية للمجاهدين الذين هم ضيوف كل المنازل الريفية، وفي هذا المعنى يقول الشاعر(ة) الأمازيغي(ة):


كنيو آيت ثمسمان، ذيمجاهذن زي رابدا

تجاهذم سوفوس نوام، تجاهذانت را تينيبا

رمونث خـ ـ وعرور نسنت،

هكوانت إيكذ إيصوضار 


كانت الفتاة الأمازيغية في هذه الفترة تملك حسا نضاليا قويا، لم ينل منه الحصار الذي كانت تفرضه الميلشيات الإسبانية على تنقلات الأفراد في مناطق تواجدهم للحد من التواصل الذي كان يجري بينهم وبين المجاهدين، إلا أن المرأة الريفية كانت بشجاعتها تأخذ مؤنا من الطعام والماء على ظهرها وتتسلل خفية بين الصخور والجبال الوعرة المسالك لتوصله إلى الخنادق السرية وأماكن تواجد المجاهدين، علاوة على ذلك كان للفتاة الريفية دورا مهما في إشعار المجاهدين بخطر ما يداهمهم من طرف العدو، فكانت تأخذ أماكن إستراتيجية خطط لها المقاومون سابقا، فتوهم العدو بأنها ترعى الغنم أو أنها مشغولة بجمع الحطب والقش وغيرها من الوظائف النسوية الأخرى التي تقوم بها المرأة خارج المنزل، فنسمع إلى الشاعر(ة) الأمازيغي(ة) واصفا هذا المشهد قائلا:


يوريد ؤرومي، يارسا ذي روضا

شيّار أ “يامينا”، سرمجدور أزيزا 


وخوفا من أن يباغت العدو المجاهدين القابعين بين الجبال والوديان، استطاعت هذه الفتاة «أمينة» أن تنقذهم أو تشعرهم بالخطر القادم والاستعداد لمواجهة الإسبان الذين أبصرتهم يتقدمون نحو السهل وذلك للاستعداد للهجوم المحتمل، فحركت الفتاة للتو حزامها ( رمجدور) كوسيلة للتنبيه والإتصال ملوحة لهم كإشعار بخطورة الزحف القادم.

إلى جانب هذا لعبت المرأة الريفية دورا بطوليا مهما وموازيا إلى جانب الرجل في الدفاع وحماية المجال الجغرافي للقرية أو المنطقة التي تقطنها، يقول الشاعر(ة) الأمازيغي(ة):


حزنت أثيبويين، قسسنت را ذي بوياس

خ رحمّاماث نشنت، فارقن ذي قوذاس


يتحدث الشاعر أو الشاعرة هنا عن الحمامات المائية التي تقع في منطقة «إيبويان» بنواحي مدينة أزغنغان، حيث كانت مصدرا مائيا مهما ترتوي منه الدواب والأغنام، ويستفيد منها سكان «إيبويان» والمداشر المجاورة للشرب والري، وكانت النساء الريفيات يغسلن ثيابهن ومستلزماتهن الصوفية هناك، والشاعر(ة) هنا يلتمس من الريفيات الحزن والحداد على هذه المياه التي نهبها المستعمر واستغلها كما نهب الثروات الأخرى التي تزخر بها منطقة الريف، كمنجم الحديد بجبل ايكسان والثروات البحرية بالمناطق الساحلية…

وفي نفس الصدد يقول «البوعياشي أحمد» متحدثا عن مشاركة المرأة إلى جانب الرجل في المعارك التي خاضها الريف: ( وقد شاركت نساء قبيلة تمسمان في معركة أبران حيث وقفن على القمم المطلة على المعركة وهن يولولن «يزغردن» تشجيعا للمجاهدين…). وبهذا كانت المرأة الريفية صامدة أمام المحن والصعاب، معبرة عن الفرحة والانتصار، مقاومة باسلة، وهناك طبعا معارك أخرى.. لعبت فيها المرأة دورا موازيا لدور الرجل .

إلى جانب ذلك كانت المرأة الريفية ممرضة كفأة في ضماد جراح المصابين من المقاومين وخاصة باستعمال طرق الكي بالنار وترميم العظام بالقصب ومواد كانت لها فعالية قوية في التئام العظام المكسرة بسبب المعارك، إلى جانب خبرتها في التداوي بالأعشاب الطبيعية.

كما كانت النساء في زمن الحرب يضعن الرجل (الأب، الأخ، الابن، الزوج أو القريب...) في هرم التخيل بلحظة نهاية الحرب أو المعركة، والسؤال الذي كان يطرح حينئذ هو، هل يعود هذا الرجل (فلان) سالما أو مصابا أم يأتي نذير اعتقاله أم بشير استشهاده؟. ومهما كانت مرتبة الاستشهاد فإن العيون تراقب بكل لهف عودة هذا المحارب إلى أحضان حياة الأسرة والمجتمع. وتظل هذه الصورة المؤثرة التي بين أيدينا والتي صورها لنا الشاعر الأمازيغي العائد للتو من ساحة الوغى وعلى لسانه ينعي استشهاد المجاهد الكبير وهو يتحسر ألما وحرقة على الكيفية التي يستطيع أن يخبر بها الابنة باستشهاد أبيها «موح» في المعركة، قائلا في صورة مؤثرة:


أيا مجاهد أمقران، خ سّارك إيوضا

مامّش غار كغ إثاربات أخمنّي دايي دغاثرقا

أخمي ني دايي غار ثيني موح ماني يدجا

مّوح دامجاهد ثنغيث حراقا

مامش غار كغ إموابر أبارشان

دإباهبان سومطا

أيا رلا يما فود إنو يوضا


من خلال هذه الأبيات الشعرية نقرأ أن هذا الألم الذي استطاعت الحرب أن تزرعه في الريف اقتسمته قلوب وعيون المرأة والرجل الريفيين معا، ولا يستطيع المهتم بهذه الأشياء أن يتحدث عن مقاومة ناجحة بدون أن يذكر الدور الفعال والأساسي للمرأة الأمازيغية فيه.

نجزم القول بأن الشعر الأمازيغي الملحمي استطاع أن يوصل إلينا جل التفاصيل النبيلة التي ضحت من أجلها المرأة الريفية، تلك المرأة التي صنعت المقاومة وعلى يدها تحقق النصر، ونكاد لا نجد في كتب التاريخ أو على لسان رواة تاريخ المقاومة الريفية بأسماء لخائنات كما هو الحال للرجال، فلا تكاد تخلو قبيلة في الريف من أسماء لرجال استطاع الاستعمار الإسباني استمالتهم إليه موفرا لهم امتيازات طبقية وسلطوية لضبط قوة المقاومة المسلحة والعمل على إضعافها وتكسيرها من خلال ما كان يوفره هؤلاء الخونة العملاء للاستعمار من معلومات وخدمات مأجورة.

إلى اليوم، لم تجف ينابيع الإبداع عند المرأة الريفية ولا تزال تتذكر وشم الاستعمار في سلوك حياتها، وما قامت به من دور بطولي في المقاومة، فنجدهن ـ عبر توارد الأجيال ـ يرددن الأناشيد والأغاني المشيدة بحرب الريف وخاصة عند قيامهن بأعمالهن الجماعية كالاحتطاب والطحن اليدوي أو في طريقهن إلى أو من العين أو عند القيام بالحصاد وتنويم الأطفال وغيرها من الأعمال اليدوية الأخرى.


- سعيد بلغربي من مواليد دار الكبداني، شاعر و كاتب أمازيغي، عضو بجمعية «إيمازيغين بكاطالونيا» بإسبانيا، عضو مؤسس ﻟ «إتحاد المدونين الأمازيغ بالأنترنيت»

 
ر
E-Mail: Timsnablog@gmail.com

Admin: Elouastani@gmail.com

الصفحة السابقة إجعلها الرئيسية أضفها إلى المفضلة طباعة الصفحة الإعلان معرض الصور تحميل كتب خدمات عن المدونة أنشر هنا أضف رأيك إتصل بنا صفحتنا على فايسبوك صفحتنا على تويتر قناتنا على اليوتيوب مسيقى ملتزمة
Loading...