رحلة الامازيغ في البحث عن اكوش


منذ طويل زمن غابر مضى كان ألامازيغ في شمال افريقيا يسيطر على تفكيرهم اهتماما عميقا بالوجود والخالق والخلق ، وتجرجرهم رغبة جامحة في معرفة اسرار من الذي يحرك الرياح لتعصف بالزرع والضرع ؟ من الذي يمسك بالخيوط الخفية التي تحرك الرعود وتشعل البرق في السماء لتسيل المياه منها ؟ من هذا الذي يقف خلف الشمس ليزيد من حرارتها في النهار ثم يحيلها الي بردا وسلاما في الليل ؟ من هذا الذي يجعل امواج البحر تهدر وتثور وترتفع الي مئات الامتار في السماء كأنه ألقى حجرة بحجم كوكب الارض في قاع البحر ؟ من هذا الذي يتحكم في نوعية المياه التي يرسلها من السماء ٠ فتاتي مرة عدبة رقراقة وفي مرة اخرى تأتي على هيئة ثلوج تعلق بقمم الجبال ثم تسيل في أودية يمكن ان تجرف كل الاشياء التي امامها ؟ ثم لماذا يموت الانسان ؟ وهل يمكن ان ننتظره حتى يعود ؟ ٠ هل نعد له الغداء ونجهز له ملابسه ؟كل هذه الاسئلة وغيرها كان الامازيغ يطرحونها بقوة على انفسهم ومع انفسهم ٠
ولابد انه ليس سهلا ولا حتى يسيرا ان نعود بالزمن الي وقت العصر الحديدي والعصر الحجري الحديث ، لنضع صورة متكاملة حول كيفية تعاطي الامازيغ مع تلك الاسئلة الوجودية، غير ان مفاتيح اخرى مازال بامكاننا استخدامها لاستحضار صورة عن مشهد رحلة البحث عن أكوش = الله عند الامازيغ ٠٠٠٠ اهم هذه المفاتيح تعلن عن حضورها بضيغة اخرى في النسيج والمنتجات والصناعات والمنتج من الملابس التي ضل الليبيون يتلحفون بها حتى الان ، وتعتبر تلابا ( الجرد الليبي ) احد أهم السجلات التي احتفظت لنا بمدى قدسية الهتهم الاولى - سنعود اليها فيما بعد - ، وهناك مفاتيح اخرى مبعثرة هنا وهناك تسمح لنا برصد اجابات الامازيغ عن السؤال من هو الخالق ؟ ربما بعض هذه الاجابات سنجدها عند اولائك الدين عرفوا الامازيغ اما عن طريق التبادل التجاري او عن طريق علاقات العداء والحروب والغزوات ٠٠
كما تظل العادات التي يمارسها الليبيون حتى الان وكذا تقاليدهم ، مفاتيح اخرى للحصول على مشهدية اكثر وضوحا عن الاسئلة التي حيرتهم وقتها ، ولعل طقوس اشعال النار في مناسبة عاشوراء هي طقوس مرتبطة فقط بالامازيغ ولم نسمع انه في المشرق يستخدمون النار في عاشوراء ، وحتى وان تحولت طقوس اشعال النار في مناسبة عاشوراء الي طقوس مواكبة لمناسبات دينية فيما بعد غير ان تلك الطقوس كانت تمارس مند قبل الميلاد وكان الاجداد الليبيون يعبدون النار ، ومعلوما ان بعض الجبال ماتزال تحتفظ باسمائها القديمة المرتبطة بعبادة النار والتى كانت تقام على قممها طقوس التعبد باللهب ، وهناك اكثر من جبل ابتداءا من جبال اطلس ووصولا الي درار نفوسا في ليبيا مايزالون يحتفظون باسم - ابنايو - وهو اسم يطلق على قمم الجبال التي توقد فيها النيران المقدسة ومنها ابناين وهي مدينة في كباو - ادرار نفوسا - وقد خمدت ألسنة اللهب المرتفعة من قممه منذ زمن بعيد ، فيما تركت تلك الطقوس بصماتها في نيران عاشوراء التي يشعلها الامازيغ حتى هذا التوقيت ٠

ان التفكير في الخالق على امتداد هذا الزمن لم يتوقف عند الامازيغ ، وفي العادة يطلقون مصطلح ربي على ( الله ) وهو مصطلح لم يعرفه المشرق بحيث يدعونه الله ولاندري كيف ضهر المصطلح ربي لكنه من المؤكد انه تسمية ليبية صرفة لاوجود لها على جغرافيا اخرى ، ولاندري ما اذا كان مصطلحا أوسع من ذلك ليشمل - رب الاسرة - ورب العمل - ورب الرياح - ورب المطر - ٠٠٠٠ الخ
واكثر وضوحا من مصطلح ربي هناك مصطلح أكوش والذي يقابله في العربية الله ، ويبدو ان مصطلح أكوش منحوتا من الصيغة الامازيغية - أيوش - وتعني في العربية - يعطي - ٠
يوش - أيوش - ياكوش - أكوش - وكلها تقابلها في العربية - يعطي - العاطي وأكيوش وتعني يعطيك ، ومؤكد ان الليبيون وحدهم الدين يستخدمون مصطلح - العاطي - وهي ترجمة حرفية - ل أكوش - ونقول في الدارجة الليبية -( العاطي حي ) ،، وقد قرأت مرة نص للكاتب الراحل سعيد السيفاو ينتهي بالعبارة - " أكوش يللا _" بمعني الله موجود ٠

٭٭ النظر الي السماء ٭٭٭٭٭
كان لابد للسماء ان تلفت انظار الامازيغ وقتها وكان لابد ان يسحرهم هذا الطبق المرصع بالنجوم التي تمتد الي ما لانهاية ، ولان الشمس هي الاكثر حضورا في الحياة فان رسوماتهم والمنحوتات كما النقوش التي تركوها تؤكد انهم عبدوا الشمس والقمر ، وتشير بعض الرسوم الي الشمس في هيئة أسد يضهر شعر عنقه على هيئة شعاع ، وربما شخصية الاسد لاتزال حاضرة في الحكايات الشعبية ، واكثر من ذلك فانه انعكس على اسمائهم حيث ينتشر اسم ازم = الاسد بين ابنائهم حتى هذا التاريخ ٠

٭٭٭٭ ايور ٭٭٭
واذا كانت هناك ثقافات لاتزال تتغزل في القمر ولايزال العشاق يتواعدون وقت حضوره ويحيك الشعراء نصوصهم على شوارب القمر ، فان الامازيغ قد اعتبروا القمر الها وينادونه الاله ايور = القمر ، هذا الكلام يعززه لنا هيرودوث حين يقول " ان الامازيغ قدموا بالفعل الدبائح والقرابين للشمس والقمر " ويؤكد بليني قصة تقرب الامازيغ بالدبائح والقرابين في القرن الاول للميلاد ، ويقول شيشرون انه عندما قابل أگليد ماسينيسا = الملك ماسينيسا الجنرال سكيبيو الروماني ، "صلى للشمس وهو يقول " اني اقدم شكري العميق لك ايتها الشمس المرتفعة والي سائر الالهة ايضا في السماء ٠٠٠٠ "
طقوس عبادة الشمس سوف تستمر عند الامازيغ من القرن الاول الميلادي حتى الي مابعد مجيئ ابن خلدون ليرصد لنا في القرن الرابع عشر بعد الميلاد عبادة الامازيغ للشمس والقمر ٠
على ان تمازغا - شمال افريقيا - لم تقتصر كل تجمعاتها السكانية على عبادة الشمس والقمر ، - مع ملاحظة التلازم بين الشمس والقمر وستخرج صياغة اخرى لها فيما بعد في القران "والشمس والقمر بحسبان " ، لم تكن كل الساكنة تعبد الشمس والقمر ، بل كان هناك ألهة اخرى تزامنت وتعاقبت منها الاله انزر = اله المطر والالهة - امان - اسلي - امون ، ويذهب بليني الي القول "ان الليبيين يعتبرون اطلس الها ومعبدا " وكان الليبيون المجندون عند الرومان يحرصون على ارضاء الاله - داي موري - قبل ذهابهم الي الحروب ويفعل ذلك اخرون عند السفر او التجارة ، وكان هناك اخرين يعبدون الهة اخرى نصفها بشر ونصفها حيوان ولابد ان نذكر هنا ربة التعابين الليبية ، وهي تضهر بوجهين لتعبان واحد ، ويعتقد اخرون في الهة تزيح عن طريقهم الحسد وتأمن لهم سلامة الطريق والسفر ، هذه الاخيرة سوف تنتهي الي تمائم يعلقها التوارگ على صدورهم لتؤمن لهم سفرا أمنا ولتعود قوافلهم التي تجوب الصحاري بالخير ، ولعل الدبائح التي يقدمها الليبيون في هدا الوقت وفي مناسبات كثيرة منها ( النذر ) لاتغدو كونها طقوس قديمة مارسها اجدادهم الليبيون الاولون ٠

٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭ الاله انزر ٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭
هناك طقوس اخرى قديمة لكنها ماتزال قائمة في صيغة حداثوية ، وهذه الطقوس تتعلق بطلب الماء ولان الاله انزر هو الذي يأذن بذلك ، كانت النسوة هن اللائي يخرجن في موكب جماعي وهم يمسكون بعرائس يصنعونها بانفسهم ويحملونها في موكب مهيب ممزوج بالدعاء والغناء وهم يسيرون لطلب الماء من الاله انزر = اله المطر - ٠ هذا الطقس لايزال قائما غير ان الرجال هم الدين سيقودون الموكب هذه المرة وسوف تصحبهم صيغة حديثة للدعاء واستجداء المطر بالسقوط ٠ الحالة شبيهة عند ساكنة النيل وربما ذهبوا الي اكثر من ذلك في اعتقادهم وكانوا يرمون بفتاة وهي في كامل زينتها ارضاء لا اله الماء وسط النيل ٠


 
ر
E-Mail: Timsnablog@gmail.com

Admin: Elouastani@gmail.com

الصفحة السابقة إجعلها الرئيسية أضفها إلى المفضلة طباعة الصفحة الإعلان معرض الصور تحميل كتب خدمات عن المدونة أنشر هنا أضف رأيك إتصل بنا صفحتنا على فايسبوك صفحتنا على تويتر قناتنا على اليوتيوب مسيقى ملتزمة
Loading...